الإعصار المتوسطي أو ما يعرف بـ "الميديكين" هو ظاهرة جوية نادرة تتشابه في بعض خصائصها مع الأعاصير الاستوائية. وعلى الرغم من أن قوة الميديكين أقل بكثير من الأعاصير المدارية في المحيط الأطلسي أو الهادئ، إلا أنه يمكن أن يتسبب في أضرار كبيرة من خلال الرياح العاتية والأمطار الغزيرة وارتفاع مستوى الأمواج. تكوُّن هذه الظاهرة يعتمد على تفاعل الكتل الهوائية الباردة مع درجات حرارة سطح البحر الدافئة في البحر الأبيض المتوسط، مما يخلق الظروف المناسبة لتطور المنخفضات الجوية. هذا التقرير يعتمد على النماذج العددية (ECMWF وGFS) وتحليل البيانات الكبيرة لتقييم احتمالية تكوّن إعصار متوسطي في منطقة البحر الأبيض المتوسط خلال بقية شهر أكتوبر 2024.
الوضع الجوي الحالي والظروف المواتية:
1. درجات حرارة سطح البحر (SST):
خريطة درجة حرارة البحر الابيض المتوسط
- الانحرافات الحرارية: تُظهر بيانات الأقمار الصناعية Copernicus Sentinel-3 أن درجات حرارة سطح البحر في وسط وشرق البحر المتوسط تتجاوز المعدلات المعتادة بمقدار 1-2 درجة مئوية لهذا الوقت من العام، حيث تصل إلى 24-26°C. توفر هذه المياه الدافئة الطاقة اللازمة لتغذية تطور الأعاصير. تاريخياً، تميل الميديكين إلى التكوّن عندما تتجاوز درجات حرارة سطح البحر 23°C، مما يشير إلى أن الظروف الحالية مواتية.
- إمكانات الحرارة: درجات الحرارة المرتفعة هذه، إلى جانب الحرارة المخزونة في الطبقات العليا من البحر المتوسط، قد تعزز محتوى الرطوبة في الغلاف الجوي، مما يدعم النشاط التكوني ويزيد من احتمالية تحول المنخفضات الجوية إلى أعاصير شبيهة بالاستوائية.
2. الضغط الجوي وأنماط الرياح:
- الأخاديد الهوائية العليا: وفقًا لبيانات النموذج الأوروبي (ECMWF)، من المتوقع أن يتحرك أخدود هوائي علوي عميق من شرق أوروبا نحو وسط البحر المتوسط بين 18-22 أكتوبر. سيؤدي هذا الأخدود إلى إدخال هواء بارد وجاف إلى المنطقة. ومع تدفق الهواء البارد نحو البحر المتوسط،
- سيتفاعل مع الهواء الدافئ والرطب، مما يزيد من احتمالية تطور العواصف.
- قص الرياح: تشير التوقعات العددية إلى أن مستويات قص الرياح العمودية ستكون منخفضة نسبيًا في وسط البحر المتوسط خلال هذه الفترة، وهو أمر ضروري لتطور الأعاصير. قص الرياح يعوق تطور الأعاصير، لذلك يُعد انخفاض قص الرياح إشارة إيجابية لفرص تطور العاصفة.
3. الرطوبة الجوية:
- نقل الرطوبة: يشير النموذج الأمريكي (GFS) إلى نقل كبير للرطوبة من غرب المتوسط وشمال إفريقيا نحو الحوض الأوسط، خاصة فوق صقلية وجنوب إيطاليا وبحر إيجة. هذه الرطوبة ستعزز من نشاط التكون، خاصة مع زيادة عدم الاستقرار الجوي بسبب الأخدود العلوي.
توقعات النماذج العددية وتحليلها:
1. نموذج ECMWF:
يُظهر النموذج الأوروبي (ECMWF) في مخرجاته الحتمية والجماعية إشارات مهمة لتطور النشاط الإعصاري:
- تطور منخفض سطحي: بحلول 19-21 أكتوبر، يُظهر النموذج الأوروبي تطور نظام منخفض جوي فوق بحر إيجة. يتوقع أن ينخفض الضغط المركزي إلى حوالي 1000-1005 هكتوباسكال، وهو نطاق نموذجي للميديكين ذات القوة الضعيفة إلى المتوسطة.
- البنية الإعصارية: تشير النماذج الجماعية إلى احتمالية تطور النظام إلى بنية دافئة بحلول 20-21 أكتوبر، وهي علامة مميزة للأعاصير الشبيهة بالاستوائية. وتشير الاحتمالات إلى وجود فرصة بنسبة 40-50% لتحول المنخفض إلى نظام إعصاري أكثر انتظامًا مع تحركه نحو شرق البحر المتوسط.
2. نموذج GFS:
- مسار التوقعات: يُظهر النموذج الأمريكي (GFS) أيضًا نظام منخفض يتطور فوق بحر إيجة حول 19 أكتوبر، ويزداد شدةً مع تحركه شرقًا نحو كريت وبحر إيجة بحلول 21-22 أكتوبر. من المتوقع أن يصل الضغط المركزي إلى حوالي 995-1000 هكتوباسكال، مما قد يؤدي إلى رياح بسرعة 60-80 كم/ساعة، مع احتمالية أن تصل بعض الهبات إلى 100 كم/ساعة.
- توقعات الهطول: تُظهر مخرجات النموذج الأمريكي كميات كبيرة من الأمطار المرتبطة بالنظام، حيث تصل كميات الهطول إلى 100-150 ملم في جنوب إيطاليا وغرب اليونان وكريت بين 19-22 أكتوبر. هذه الكميات تتوافق مع ما تم تسجيله في الميديكين السابقة التي تسببت في فيضانات مفاجئة وانهيارات أرضية في المناطق المعرضة للخطر.
3. النماذج المناخية الإقليمية (RCMs):
تشير النماذج المناخية الإقليمية، بما في ذلك تلك من مركز المناخ الأورومتوسطي، إلى احتمالية متزايدة للنشاط الإعصاري في البحر المتوسط في النصف الثاني من أكتوبر. تشير التحليلات الإحصائية إلى أن شهر أكتوبر يشهد عادةً ذروة نشاط الميديكين، خاصة خلال فترات النينيا حيث تكون الظروف الجوية مواتية لتكون الأعاصير.
السياق التاريخي والتحليل الإحصائي:
- تكرار حدوث الميديكين: تظهر السجلات التاريخية أن الميديكين تتشكل غالباً في شهري سبتمبر وأكتوبر، حيث يشكل هذان الشهران حوالي 60% من جميع الأعاصير المسجلة في البحر المتوسط. التحليل الإحصائي يشير إلى أن الميديكين عادةً ما تستمر لمدة 2-3 أيام وتصل سرعة الرياح فيها إلى ما يعادل الفئة 1 على مقياس سافير-سيمبسون.
- دقة النماذج: الجمع بين البيانات التاريخية والنماذج الجماعية عالية الدقة يحسن من دقة التوقعات. على سبيل المثال، نجح نموذج ECMWF في التنبؤ بالميديكين السابقة بدقة تزيد عن 80% عند دمج انحرافات SST مع تحليل الأخاديد الهوائية العلوية وعدم الاستقرار الجوي.
المناطق المعرضة للخطر:
بناءً على التوقعات الحالية من النماذج، فإن المناطق التالية الأكثر عرضة لتأثيرات الميديكين المحتمل:
- جنوب إيطاليا (صقلية): من المتوقع حدوث أمطار غزيرة ورياح قوية بين 19-21 أكتوبر، مع احتمال فيضانات ساحلية وفيضانات مفاجئة.
- غرب اليونان: من المتوقع أن تتعرض الجزر الأيونية والبر الرئيسي لليونان لأمطار غزيرة تصل إلى 150 ملم ورياح تصل إلى 100 كم/ساعة بين 20-22 أكتوبر.
- كريت وبحر إيجة: بحلول 22-23 أكتوبر، من المرجح أن يؤثر النظام على كريت، مع أمطار غزيرة ورياح قوية وبحار هائجة. يجب مراقبة البنية التحتية الساحلية والأنشطة البحرية عن كثب
خريطة تراكم الامطار من نموذج الطقس العددي GFS جفس خلال 150 ساعة قادم
خريطة تراكم الامطار من نموذج الطقس العددي ECMOPEU الاوروبي خلال 150 ساعة قادمة
يتطلب الأمر مراقبة دقيقة للظروف الجوية، والقيام بإجراءات احترازية ملائمة لتقليل المخاطر المحتملة. يظل الوضع قيد التقييم، وينبغي أن تبقى المجتمعات المتأثرة على اطلاع دائم على التحذيرات والتحديثات التي تصدرها السلطات المحلية.
تنبيه هام
نؤكد في مركز أجواء العرب أن هذه البيانات قابلة للتغيير، حيث إنها مبنية على المعلومات الحالية المستخلصة من النماذج العددية. لقد تم مراقبة هذه البيانات على مدار يومين قبل إصدار هذه النشرة، ومع ذلك قد تحدث تغيرات بناءً على تحديثات جديدة للنماذج.
و الله اعلى و اعلم
المراجع:
بيانات الأقمار الصناعية: Copernicus Sentinel-3
نماذج الطقس العددية: ECMWF وGFS